هذا التطور الكئيب في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين في مصر لم يحدث بين يوم وليلة، فقد شهدت الفترة الأخيرة عدة صدامات بين الجانبين بدءا بالضجة التي أُثيرت حول إسلام السيدة وفاء قسطنطين، وحتى أعمال الشغب التي أعقبت عرض مسرحية قيل إنها تسيء للرسول -صلى الله عليه وسلم- في كنيسة بمنطقة محرم بك بالإسكندرية، والصدام الطائفي الذي وقع في إحدى قرى جنوب مصر في يناير الماضي وخلف ثلاثة قتلى وعشرات الجرحىوتؤكد هذه الأحداث أن اعتداء الإسكندرية ليس حدثا معزولا
وينتشر النفور الذي وصل إلى حد العداء أحيانا بين الأقباط والمسلمين في مصر أكثر بين أوساط الشباب، الذين شكلوا أغلبية المشاركين في الصدامات الأخيرة بين الجانبين، ويعود في جزء منه إلى تزايد إحساس الشباب المصري بوجه عام بالاغتراب وافتقاده لمشروع قومي يحتشد وراءه واضطراب مفهوم الهوية المصرية لديه، ما دفعه للبحث عن تلبية الحاجة للانتماء في كنف الجماعات والمؤسسات الدينية. هذا الشباب لا يملك الخلفية نفسها التي يملكها جيل الآباء الذي خاض مسيحييه ومسلميه معا التحديات التي واجهت البلاد في الستينات وخاضوا معركة التصنيع وحاربوا العدوان الأجنبي جنبا إلى جنب.
هذه الهوة بين الشباب المسلم والمسيحي وإحساس كل منهما بأن "الآخر" غريب عنه غذاها، رجال الدين المتشددين من الجانبين المسيحي والمسلم، لا سيما مع تزايد المساحة الإعلامية الممنوحة لهم وإصرار بعض القنوات التلفزيونية على استضافة عناصر متطرفة من كل جانب للتحاور بصدد قضايا لا يمكن الاتفاق عليها، ما يعطي الانطباع بوجود صراع بين الدين الإسلامي والمسيحي
ولوحظ خلال الأحداث الأخيرة تحول في مواقف النخبة المسيحية التي امتنعت لوقت طويل عن إلقاء اللوم على المسلمين في أي صدام بين الجانبين وحاولت دائما التأكيد على أننا جميعا مصريون وأن أيادي العابثين والقلة المتطرفة تقف وراء أي خلاف
وللبابا موقف آخر غريب يتعلق بإسلام السيدة وفاء قسطنطين، وهي زوجة قسيس أعلنت إسلامها وقال زوجها إنها أُجبرت على التحول إلى الإسلام، فقد اعتكف البابا في أحد الأديرة لدى ذيوع قصة السيدة وفاء وطالب الحكومة بتسليمها إلى الكنيسة، رغم عدم وجود أي مسوغ قانوني لتسليم سيدة راشدة إلى الكنيسة التي لا تملك سلطة عليها، ولم يتراجع حتى وافقت الحكومة على تسليم السيدة وفاء حيث نُقلت إلى أحد الأديرة ولم يعرف مصيرها حتى الآن
وواقع الحال في مصر يُشير إلى وجود قدر من التعصب ضد الأقباط، إلا أن أي اضطهاد يُمارس ضدهم، هو حدث فردي وليس موقفا منظما أو جماعيا من مسلمي مصر ضد مسيحييها، ورغم تسبب بعض أفراد النخبة المسيحية في إثارة خوف أقباط مصر دون داع إلا أن اللوم الأكبر يقع على عاتق المسلمين، باعتبار أنهم الأغلبية التي كان يجب عليها احتواء المسيحيين وتهدئة مخاوفهم