Thursday, July 27, 2006

من يهن يسهل الهوان عليه

لفت نظري تقريرا نشرته صحيفة هآرتس بتاريخ 26 يوليو 2006 يتحدث عن تناول الإعلام العربي للعدوان على لبنان، وذكر التقرير أن التلفزيون المصري كان هدفا لانتقادات الجماهير العربية بسبب عدم بثه مقدمات موسيقية عسكرية أو أغاني فيروز على سبيل المثال قبل البرامج الإخبارية مثلما كان يفعل في الحرب اللبنانية الأولى
ولاحظ التقرير أن المفردات التي يستخدمها التلفزيون المصري عادة لمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي جرى التخفيف من حدتها كذلك، وأنه يبدو أن المذيعين في قناة النيل الإخبارية الحكومية تلقوا تعليمات من مديرة القناة هالة حشيش باستبدال عبارة "العدوان على لبنان" بعبارة "حصار لبنان"، كما زاد استخدام مصطلحات " التوتر" و"النزاع العسكري" بدلا من "الحرب"

واوضح التقرير أن هذه المفردات تتوافق مع تلك التي تستخدمها صحيفة الأهرام الحكومية التي نقلت عن الرئيس المصري حسني مبارك استخدامه تعبير "أنشطة عسكرية" وليس "عدوانا" لوصف الصراع في لبنان
والملاحظات التي أوردها التقرير الإسرائيلي ليست مفاجئة بعد أن سارعت الحكومة المصرية للحاق بالركب السعودي وإعلان رفضها "لمغامرات" المقاومة اللبنانية كما سمتها.
ولا أعرف ما الذي يهدف إليه النظام المصري من مثل هذا التناول الإعلامي للعدوان الإسرائيلي على الأراضي اللبنانية، فلا هذا التناول "سيحلي" مصر في عيون أميركا وإسرائيل ولا هو سيقلل من حدة الغضب الشعبي المصري من العدوان، ولن يؤدي سوى لمزيد من الاضمحلال للدور الإعلامي المصري في العالم العربي، الذي تراجع بعد ظهور الفضائيات الإخبارية على غرار الجزيرة والعربية وغيرهما وجعل التلفزيون المصري يبدو كأنه كائن من كوكب آخر أو على أقصى تقدير تائه سقط من آلة الزمن على العصر الحديث
لا استطيع ان أمنع نفسي من التحسر على الدور المصري الغائب سواء في الإعلام أو السياسة أو الفن أو الثقافة أو الاقتصاد
موضوع آخر عن مصر لفت نظري في الإعلام العالمي وهو عن خصخصة مجموعة شركات عمر أفندي، حيث أن الشعر المقدر للمجموعة هو 1.14 مليار إسترليني، بينما يصل السعر الذي أرادت الحكومة أن تبيع به المجموعة لمجموعة الأنوال السعودية إلى 905 مليون إسترليني!!
وعندما قرأت هذا الخبر لم أجد ما أعلق به عليه فالخبر نفسه أبلغ من اي تعليق ولا سيما ونحن "نحتفل" بالذكرى الخمسن لتاميم قناة السويس، التي تعد المصدر الثالث للدخل القومي في مصر بعد السياحة وتحويلات المصريين العاملين بالخارج
الله ينتقم من هؤلاء الذين حولوا مصرنا إلى كيان مائع لا طعم له ولا لون

Friday, July 21, 2006

لعن الله مؤيدهم ومساندهم و

ذكر تقرير في صحيفة نيويورك صن أن عبدالله بن جبرين، وهو أحد الشيوخ الوهابيين المعروفين في السعودية، اصدر فتوى دينية تعلن عدم شرعية تأييد حزب الله أو الانضمام إليه أو الدعاء له!! وكان الشيخ حامد العلي المقيم في الكويت قد اصدر في وقت سابق بيانا غير رسمي يدين فيه ما أسماه الطموحات الإمبريالية لإيران فيما يتعلق بعملية اختطاف حزب الله للجنديين الإسرائيليين في 12 الشهر الجاري

ومن الغريب أن مثل هؤلاء الشيوخ الذين يشجعون شبابنا على الذهاب إلى العراق ومن قبلها أفغانستان والشيشان وغيرها من بؤر الصراع التي يوجد فيها مسلمون، يعمدون الآن إلى مهاجمة منظمة المقاومة الوحيدة التي تمتع بالمصداقية في الشارع العربي، بعد انشغال المنظمات الوطنية الأخرى بالتنافس على المناصب السياسية واقتسام غنائم المساعدات الدولية لبلدانهم

والواضح من مثل هذا الموقف أن بعض رجال الدين يفضلون انتمائتهم المذهبية على مصلحة الأمة ومقاومة العدو الصهيوني وإنزال الخسائر في صفوفه. ومثل هذه المواقف على قدر الغضب الذي تثيره في نفسي على قدر الارتياح الذي تشعرني به؛ لأنها تفضح أخيرا هؤلاء الأشخاص على حقيقتهم وتبيّن للشباب أن هؤلاء الذين يدعونهم إلى"الانتحار" يحرّمون دعم المقاومة الباسلة في لبنان، لا لسبب إلا لأن أفراد حزب الله ينتمون إلى المذهب الشيعي، وكأنهم امتلكوا الحق وحده.
لا أعلم أي أجندة خفية تحرك هؤلاء الناس ولا أي أفق ضيق يحكمهم، لكني أعرف شيئا واحدا أن الله لم يضع علينا أوصياء ليملوا علينا كيف نعبده وأنه لا يحق لأحد تكفير من قال لا إله إلا الله وأنه لا إكراه في الدين

Sunday, July 16, 2006

يا أهلا بالمعارك

كنت أشاهد منذ يومين إحدى حلقات المشروع الوثائقي الذي تبثه قناة العربية تحت عنوان "أيام السيد عربي" وبينما ينطلق من التلفزيون صوت عبدالحليم حافظ المتقد بالحماس قائلا " يا أهلا بالمعارك" إذا بالشاشة تنقل نبأ عاجلا عن قصف إسرائيل لمطار بيروت ردا على قيام حزب الله باختطاف جنديين صهيونيين في وقت سابق
وبدأت معظم الفضائيات العربية الإخبارية في تقديم تغطية حية لتطورات الوضع في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة حيث استمر القصف الإسرائيلي لمختلف الضواحي اللبنانية بالإضافة إلى غزة، كما استمر الهجوم المضاد من حزب الله ردا على الهجمات الإسرائيلية
وفجأة اصبحنا في حالة حرب مع إسرائيل! ونا الفاعلين هنا تشير إلى المواطنين العرب الذين شاهدوا الهجمات النوعية لحزب الله على الأهداف الإسرائيلية، وأقواها الهجوم الذي استهدف بارجة إسرائيلية على السواحل اللبنانية، وشعرنا جميعا بفرحة جديدة علينا، واصبحت أنباء الصراع العربي الإسرائيلي التي فقدت معناها من كثرة تكرارها علينا في وسائل الإعلام، اصبح لهذه الاخبار أخيرا طعم واصبحت متابعتها شغلنا الشاغل. وعادت إلى نفوسنا مرة أخرى مشاعر نسيناها في غمرة البحث عن لقمة العيش، مثل الإباء والكرامة واستعادت كلمة "المقاومة" وقعها الجميل
ونسينا في غمرة سعادتنا بالانتصارت العربية كل ما يقال عن تبعية حزب الله لسورية أو إيران وعن كون قيادة حزب الله شيعية ونحن سنة ( وهو الأمر الذي لم تنساه الحكومة السعودية والأردنية كما هو واضح) أو ترهات السلام والحسابات السياسية (التي تروّج لها الحكومة المصرية). وشعرنا بشيء واحد فقط وهو أننا كلنا عرب وكلنا لبنانيون وكلنا مقاومون
وربما لم تكن تحركات حزب الله محسوبة وربما كان مخطط لها منذ وقت طويل، وربما كانت تداعيات هذا التحرك وخيمة أو غير وخيمة، كل ذلك لا يهم ، لأن "مغامرة" حزب الله جعلت المواطن العربي المهزوم يشعر للمرة الأولى منذ زمن بالانتصار، حتى لو كان هذا الشعور قصير الأمد. فيا رجال حزب الله ... رجاء ، استمروا في مغامراتكم

Friday, July 14, 2006

أفكار متناثرة عن جنود حنبعل

عندما زرت تونس العام الماضي للمرة الأولى طاردني شرطي يرتدي ملابس مدنية وطالبني بإظهار بطاقة هويتي وعندما علم أني لست تونسية بل مجرد زائرة لبلاده اعتذر وانسحب واتضح أن سبب مطاردته لي هو ارتدائي الحجاب

والحقيقة أني لم أكن ارتدي عبائة سوداء أو نقاب أو حتى خمار، بل بنطلون جينز وتي شيرت وغطاء صغير للرأس ولكن يبدو أن هذه الملابس كانت "طائفية" أكثر من اللازم بالنسبة لرجل الأمن التونسي لدرجة توقيفه لي بسببها وفي اليوم نفسه قابلت في قطار الأنفاق سيدة تونسية مسنة نظرت إلى بسعادة وقالت "يزين سعدك" وكان سبب دعائها هو السبب نفسه الذي طاردني الشرطي التونسي من أجله "ارتدائي الحجاب

بعد هاتين الحادثتين بدأت أنظر حولي باهتمام أكثر فلاحظت أن عدد المحجبات في الشارع لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة ومعظم الفتيات والسيدات يرتدين ملابس تشعرك أنك في احد العواصم الأوروبية، وعندما حان وقت الصلاة لم أجد مسجدا فيه أماكن مخصصة للسيدات أما في المصالح الحكومية والمدارس والجامعات فلا توجد أماكن للصلاة أصلا لا للرجال ولا للسيدات
وخلال الأسبوعين الذين قضيتهما في تونس لم أخض نقاشا سياسيا واحدا ولاحظت أنه لا أحد يتحدث في السياسة أو يعلق على الاحداث الجارية سواء في تونس أو خارجها ، فالجميع يشكو من غلاء الأسعار وارتفاع الإيجارات وانتشار الطلاق وارتفاع سن الزواج والبطالة وحظر مواقع إلكترونية عديدة ولكن لا أحد يوجه أصابع الاتهام إلى الحكومة التونسية


والآن بعد انقضاء عام كامل على هذه الرحلة فوجئت برسالة من صديقة تونسية أحيت في نفسي الأمل في أن يخرج الشعب التونسي من غيبوبته الاختيارية والرسالة تضمنت خبرا منشورا في صحية المصريون عن مجموعة من الأساتذة الذين يشتكون من إسقاطهم من مناظرة "الكاباس" المعروفة في تونس بسبب انتمائاتهم السياسية. ومصدر المفاجاة كان أن هذه الصديقة التي تحدثت معها مطولا العام الماضي لم تبد اي اهتمام بالشأن السياسي او حتى الشأن العام في بلادها خلال الأحاديث التي جمعتنا
والآن تتوالي علي يوميا رسائل منها يبدو أنها تردها عن طريق مجموعة بريدية، تنتقد الوضع في تونس، كما أن هذه الصديقة التي كانت ملابسها متحررة بالنسبة لي كفتاة من أسرة محافظة، اصبحت ترتدي الحجاب، وليس وحدها في ذلك، فمعظم أصدقائي الذين زاروا تونس أخيرا لا يتحدثون إلا عن شيء واحد، زيادة عدد الفتيات المحجبات في الشارع وزيادة الإقبال على المساجد في أوساط الشباب خصوصا، ولست هنا بصدد الدفاع عن الحجاب او الهجوم عليه او الحديث عن شرعيته من عدمها لكني استدل من هذه التطورات على ظهور حراك جديد في الشارع التونسي فلم تعد قضايا الدين والسياسة خارج دائرة الحديث العام في بلاد عُرف عن شبابها اهتمامهم بأمرين فقط... الفتيات والكرة

ولن أزعم أن ملاحظاتي هذه تنبع من معرفة عميقة بالشأن الداخلي التونسي أو طبيعة الشعب والمجتمع التونسي، لكني فقط اسجل ملاحظاتي كزائرة عابرة لهذه البلاد . ونعود إلى الاختلافات التي لاحظتها على تونس بعد عام من زيارتي الأولى لها، حيث لاحظت ظهور عدد من المدونات الإلكترونية التونسية التي تتناول الشأن العام والسياسي في البلاد
ولأني من المفائلين دائما فقد اعتبرت هذه التحركات مؤشرا على انتقال الوعي السياسي من النخبة إلى الشارع، وإن كان يثير قلقي كون الدين هو المدخل إلى السياسة بالنسبة لكثير من الشباب. ومرة أخرى فلست هنا بصدد حسم قضية الدين والسياسة وتداخلهما ولكني اقصد من حديثي أنه بالنسبة لهؤلاء الشبافب الثورة على الأوضاع السياسية وتدهور الظروف المعيشية لم يكن هو المحرك لهم بل كان ترحكهم استجابة لخطب الدينية ودعوات رجال الدينعبر شاشات الفضائيات
ملاحظة أخيرة في هذا الموضوع غير المترابط والذي يعد جمع لأفكار متناثرة أكثر منه موضوع متماسك، هو الارتفاع غير العادي في تكاليف المعيشة، فكل شيء غال بدرجة لا تصدق. ورغم ارتفاع دخل الموظف التونسي العادي عن نظيره في دول عربية أخرى، إلا أن ارتفاع الأسعار يلتهم هذا الفارق في الدخل ليترك أرباب الأسر في نهاية كل شهر على حافة الافلاس. واتضح لي أن النظام التونسي يحكم قبضته على البلاد باستراتيجيتين معرفوتين لدى كل النظم الديمتاتورية: الإدمان الكروي واللهث وراء لقمة العيش