Sunday, December 10, 2006

القرنة و مرارة الاحتفال


القرنة... و مرارة الاحتفال
السبت الموافق2ديسمبر 2006 موعد ترحيل 3400 اسرة ( ما يعادل 20000 ساكن) من القرنة بغرب الاقصر الى مدينة القرنة الجديدة . حدث انفرد بنقله" البيت بيتك " .مساء نفس اليوم رأينا عمليات النقل و شاهدنا البلدوزرات تهدم منزلا و سمعنا سمير فرج يتحدث بكل فخر عن ثانى اكبر عملية تهجير فى مصر و فايزة ابو نجا تتحدث فرحة عن Iنتهاء فترة مأساوية و كارثية كان الناس يعيشون فيها فوق المقابر و احمد الطيب و هو من الذين قاموا بمجهودات جبارة فى سبيل اقناع السكان بعملية النقل تحدث عن مميزات المدينة الجديدة و أكد ان الحكومة منحت لكل اسرة حتى و ان كانت مكونة من فردين فقط و لم تكن تملك منزلا مستقلا فى القرنة القديمة منزلا مستقلا فى القرنة الجديدة اما عن السكان فتحدثت سيدة عن سعادتها بالانتقال للمدينة الجديدة التى تتوفر بها البنية الاساسية من مياه و كهرباء و صرف صحى و رأينها فى منزل مؤسس بالقرية النموذجية ,كما وصفها اغلب المتحدثين, وهى ما يتوفر به الاتى :"حدائق و منتزهات و سوق حضارى و نقطة اسعاف و احدث مركز ثقافى فى مصر مزود بدار سينما و ساحة رياضية و مركز شباب و حديقة اطفال و مخبز الى و قسم للشرطةو محطة مياه و شبكة كهرباء كاملة مقامة على 4 طوابق " نقلا عن اهرام الجمعة 1/12 /2006 يبدو ان السكان ليسوا بالعنصر الاساسى فى القرية مادامت متوافرة الخدمات و المرافق و منسقة تنسيق هندسى حضارى تتشابك فيه البيوت لا يفصل بينها سوى ممرات ضيقة و لكنها منتظمة و هذا هو الاهم و تتضافر جميع المبانى الحجرية فى رسم قرية صماء و لكنها ذات طابع حضارى و يبدو ان هذا ايضا هو الاهم . الكل يترقب اكتشاف المقابر و تصدر الصحف بعناوين مختلفة ,على صفحة الاهرام الاولى بكل ثقة :" بعد عملية التهجير الثانية من القرنة 1000 مقبرة فرعونية فى انتظار البوح باسرارها" لا يساورها ادنى شك من حقيقة وجودها و كأنها رأتها روية العين . و فى التحقيق قرأنا اراء الاهالى المختلفة, المتشابهة فى الواقع ,فهاهو الشيخ البالغ من العمر 86 عاما سعيد للغاية بعملية التهجير فهو يعتقد انها جاءت لحمايته من اخطار السيول (و الله حكومة فيها الخير) و نرى صورة لشيخين جاوزا العقد التاسع من العمر مع تعليق "استعداد للعيش فى المدينة الجديدة "(ربنا يديهم طولة العمر لكن هو فى حد فوق ال70 بيرحب بنقل سكنه ؟؟) و اسباب سعادة الاهالى متنوعة ,فبالنسبة لمحمد سالم صديق :"اننا لن نشغر بالغربة داخل المدينة الجديدة لان الانتقال سيكون وسط الاهل و مع الاقارب و هو ما كنا نحتاج اليه بالفعل خاصة اننا مجتمع قبلى له عاداته و تقاليده منذ قديم الازل. " و يرى احمد حسن محمود جودة عامل بادارة الطرق و النقل (ربما متأثرا بعمله فى وزارة التخطيط المنظم) :"ان العشوائيات هى اهم ما نتركه فى المنطقة القديمة ." و بالرغم من ان تصريحات الاهرام ابدو تقول ان الانتقال سيتم خلال شهرين او ثلاثة فطبقت للاهرام اليومى" مساء السبت المقبل ستشهد مدينة الطارف الجديدة حفل زفاف محمد احمد حسن و منى محمد سيد ." و ربما ايضا اول مولود ف"بنفس الدرجة من الفرحة "يتمنى محمود محمد حسنى:" ان تلد زوجتى داخل المدينة الجديدة و ذلك بعد ان كنت دائم الهم خوفا من يوم الولادة فى ظل عدم وجود اضاءة ."و بجانب ال2600 قطعة الموزعة على الاهالىو التى لا تشمل اى مبانى و لن تشارك الدولة فى تكاليف بناءها ستوفر الحكومة "50 غرفة للارامل و المطلقات تضامنا مع حالتهم الانسانية" . و الجميع يشكر الرئيس على "لفتته الكريمة و الانسانية لتوفير الكهرباء و المياه و الصرف الصحى "(اليست تلك البنية التحتية الاساسية المطلوب توافرها فى اى مكان ؟) وجهة النظر الاخرى رصدتها هبة نصر الدين فى الاهرام ابدو فهناك لنفس السكان راى مختلف : احمد حسن :"ده ظلم لن اترك ارضى ان امتلك فدان بالقرب من منزلى و دى لقمة عيشى يقترحون على منزل على بعد 20 كم ." محمود احمد :"لن اخرج من بيتى الا بموتى نحن 9 افراد نعيش فى 700 م و يريدوننا ان نعيش فى منزل 80 م ." رمضان بغدادى :"نحن 16 فرد و بالتالى نحتاج الى 3 منازل و لكن الحكومة تعطينا ارض فضاء 200 م و تكاليف البناء تبلغ 20000 جنية و نحن بالطبع لا نملك هذا المبلغ ." و من الجدير بالذكر ان البيوت التى رأينها مؤسسة على شاشات التلفزيون ستسلم فارغة الى الاهالى و قد رصدت كاميرا الاهرام ابدو عربات مصنع صقر للموبيليا بالمكان. مشكلة اخرى تطرحها عملية النقل و هى صناعة الالباستر التى تعد من اهم الصناعات الموجودة بصعيد مصر و التى تتمركز بغرب الاقصر و يعمل بها اغلب اهالى المنطقة و يؤكد احد ملاك ورش الالباستر انه فى حالة هدمها لن يجد العاملين بها و اسرهم ما يعيلهم. هو اكيد فى مقابر؟ فكرة طرحت و روجت لها المسلسلات و الافلام : ان الاهالى ينبشون المقابر و يتجارون بالاثار اى باختصار يرقدون على تلال من الكنوز الفرعونية رغم انهم يغيشون حياة مأساوية "جاء مشروع القرنة الجديدة اخيرا لينقذهم منها " ما مدى صحة هذا الكلام علميا؟ فى حوار لها مع جريدة الاهرام ابدو شككت ايلينا بولين ,عالمة اثار فيلندية تعيش بالاقصر منذ 17 عام, فى وجود الاف المقابر و هى ترى ,و هذا تخصصها , انه من الممكن القيام باعمال التنقيب مع وجود الاهالى و من الممكن ان تهدم فقط البيووت التىيوجد تحتها مقابر كما تؤكد ان هؤلاء الناس هم من يجذبون السياح الى تلك المنطقة بعملهم المميز و اسلوب حياتهم المختلف . كما ترى, و هى الاجنبية بالنسبة لمشاكلنا القومية, ان عملية التهجير تلك ستدفع السكان الى ترك الاقصر (ثم نعود و نتسائل عن ازدحام العواصم و نبحث عن حلول للهجرة من الريف). يشمل التضارب الارقام فمنازل القرنة تبلغ 800 منزلا و الحكومة قد اعطت لكل اسرة منزلا مستقلا بل و ايضا بعد الاسر اخذت اكتر من منزل بينما القرنة الجديدة لا تحتوى الا على 600 وحدة سكنية تبلغ الواحدة منها 80 متر يحيط به 100 م فضاء طبقا لاهرام الجمعة 1\12\2006 لسنا بصدد رصد اختلاف وجهات النظر بين الجرائد الحكومية و جرائد المعارضة فالتضارب يأتى هنا من مصدر واحد و رغم الاختلاف و مع الاخذ باحسن الفروض و النوايا فان الامر لا يستحق الاحتفال على الاقل مراعاة لمشاعر هؤلاء المهجرين فبعمره ما كان التهجير حدثا سعيدا و بعمره ما فرح رجلا فى ال90 من عمره بتغيير قريته و حتى و ان كان ذاهب الى القرية النموذجية كانت عملية التهجير الاولى ضرورة و مازالت حتى الان اغانى اهل النوبة تشهد على اشتياقهم لبلدتهم القديمة فدعونا لا نهلل فرحا لثانى عملية تهجير و لنلبى طلبات المهجرين و لنوضح تضحيتهم حتى و ان كانوا مجبرين عليها . و لنحاول الا تنال عمليات التنقيب جميع البيوت و الورش فمدينة القرنة ذات طابع مميز هو الذى اكسب المكان شهرته و منحه تميزه بالرغم من وصفها بالعشوئيات الا ان عمارتها البسيطة ذات طرازفريد يجب الحفاظ عليها فهى ايضا تعتبر من تاريخ هذا المكان ام يجب ان يمر عليها الاف السنين حتى ندرك قيمتها و نتحسر على هدمها ؟ لا يوجد بمصر من يعترض على هذا المشروع فالكل مدرك لاهميته و لا احد ينكر اهمية الاثار و لكن لا يجب لاحد ان ينكر بالمثل حق هؤلاء الناس فى ممارسة حياتهم بالاسلوب الذى يرضونه فان كان لابد من التهجير فليكن منصفا بتوفير مكان مطابق لرغباتهم التى تتمثل فى مكان مماثل لما يعيشون به من حيث المساحة, على الاقل حتى نتمكن من نطلب منهم مستقبلا ان يحافظوا على اثارهم و يدركوا اهميتها و هم الذين لا يدركوا سوى انهم هجروا من بيوتهم فى سبيل بعض الجدران و التماثيل . متى سيدرك المسئولين ان هؤلاء الناس البسطاء من نسيج تلك المناطق و هم من يمنحها خصوصيتها و يجذب اليها السائحين و انهم بابنائهم و صناعتهم هم ثراء المنطقة الحقيقى و هم وحدهم القادرين على الحفاظ عليها و الدفاع عنها و ليست المحال المتأنقة المتراصة جنبا لجنب الخالية من اى روح. و انه لمن المؤسف حقا ان يهلل اكثر مثقفى مصر فرحا بهذا الحدث و هم على علم باهمية الاثار و الحالة الماساوية التى كانت فيها و لكنهم على وعى ايضا بحياة سكان القرنة و يعرفون وجع الرحيل .

No comments:

Post a Comment