Thursday, September 20, 2012

أيام فى العمل التطوعى: تلوين الواقع الكئيب


قضيت عدد لا بأس به من السنوات أحاول الانخراط في العمل التطوعي دون جدوى. قمت خلال هذه السنوات ببعض الأعمال الخيرية المعتمدة على جهود المتطوعين: زيارة مستشفيات، تعبئة شنط رمضان...إلخ ولكنها كانت مهام قصيرة وعلى فترات متباعدة، ثم فتح لي المجال من أوسع الأبواب وأصبحت أجد صعوبة في اختيار ما أريد القيام به نظراً للوقت المتاح لدى. وبدأت ألاحظ شيئ غريب وهو تواجد نفس المتطوعين في مختلف الأماكن والمبادرات، نفس الوجوه تقابلها لتشعرك بالألفة مهما كنت غريباً عن المكان وتؤكد على أن "الدنيا لسه بخير".

المهم، كان العمل هذه المرة من خلال مبادرة رائعة قام بها طلبة طب إحدى جامعات القاهرة لدهان غرف مستشفى الأطفال التابع للجامعة وتغطية الحوائط بالرسومات لإدخال البهجة على قلوب الأطفال والتخفيف من معاناة أهاليهم. أعجبتني الفكرة جداً ولم أتردد في المشاركة ببعض الوقت.

وكانت الصدمة بوضع المستشفى، فبالرغم من خبرتي المعقولة بمستوى المستشفيات في مصر، وخاصة الحكومي منها، نظراً لعملي فترة من الوقت بوزارة الصحة فمازالت مهازل المستشفيات تؤثر في دائماً. مبدئياً تفاجئ عند دخولك المستشفى بعدد كبير جداً من الأطفال مع ذويهم يملئون طرقات المستشفى دون انتظام ويصنعون ضوضاء عالية في تناقض صريح مع اللافتة التي تقول "حافظوا على الهدوء من أجل راحة المرضى". والعجيب أنه لا يبدوا أن هناك من يوجههم إلى أين يذهبون أو ينتظرون أو حتى ينصرفون! وأنا شخصياً عند دخولي من باب المستشفى لم يسألني أحد عن هويتي أو إلى أين أذهب. ويبدوا أن أحداً لم يسأل الكلب الرابض على باب المستشفى الداخلي كذلك!

بالطبع لم تكن الصدمة في الفوضى البادية في المستشفى ولا حتى في الكلب الموجود على الباب، فقد قابلت من قبل قطة تجوب طرقات المستشفى الحاصل على المركز الأول في مكافحة العدوى لسنة من السنوات على مستوى الوزارة، لذا دعوني ألخص ما اذهلني وأصابني بالاكتئاب والإحباط في المشاهد التالية:

المشهد الأول: كنا نعمل في القسم الداخلي للمرضى (Inpatient Department) وهو المكان الذي يقضى فيه المرضى بعض الوقت بعد العمليات للمتابعة والتعافي مادامت أوضعهم ليست حرجة، وإلا يجب عليهم التواجد بغرف العناية المركزة. المهم في الدور الخامس حيث كنا نعمل يجد المرء أحياناً صعوبة في التمييز بين أمهات الأطفال والعاملات في المستشفى، فجميعهن يرتدين جلابيب صفراء، غالباً كانت في يوم من الأيام بيضاء، ويتحركون بحرية في الدور ناقلين الأسرة ليفسحوا لنا المجال لنعمل وكذلك الأجهزة الطبية. وفجأتني إحدى الأمهات قبل أن نبدأ في العمل بالسؤال عن الفترة التي يجب أن تمر لتزول رائحة الدهان ويمكن استخدام الغرفة مرة أخرى لأنها لا تريد البقاء بابنها، الخارج لتوه من العناية المركزة، في عنبر مشترك مع الأطفال الآخرين.

من وجهة نظري المتواضعة فهذا من أكثر الأمثلة وضوحاً على الإهمال والعشوائية في مستشفياتنا الحكومية، فبالرغم من أن هذا "التساهل" ربما يكون قد أتاح لنا حرية أكثر في القيام بما أردنا إلا أنه لم يلتفت إلى وضع واحتياجات المرضى (هذا إن كان أحد يعبأ بهم في الأساس).

المشهد الثاني: لكى تتم عملية الدهان بالجودة المطلوبة وجب علينا أولاً كشط الحوائط و"سنفرتها" للتخلص من أي نتوءات أو بروز. كانت العملية مرهقة ولكن يمكن اعتيادها مع الوقت، وذلك إلى أن بدأنا العمل في الجزء السفلى من الحائط حيث فوجئنا مع الكحت بخروج بعض الصراصير الصغيرة وكائنات مشابه من الحائط! ولمن لا يعرفني فأنا أكره الصراصير للغاية ودائماً ما ألجأ لصديق إذا قابلت أحدهم مصادفة ولكنى هذه المرة لم أجد صديق بهذه الشجاعة واضطررت للتعامل معهم بنفسى. أما من أين أتت الصراصير فهي نتيجة طبيعية لوجود نشع ورطوبة في الحوائط لم يهتم أحد بمعالجتها ولست في حاجة بالطبع لشرح النتيجة المحتملة لتواجد الصراصير والمريض معاً في نفس الغرفة وهذا بلاغ منى لإدارة مكافحة العدوى بوزارة الصحة والله على ما لأقول شهيد.

المشهد الثالث: في المراحل الأخيرة من العمل كنا نرسم ونلون أثناء تواجد المرضى في الغرف. أنا شخصياً لم أتحدث معهم كثيراً وكنت فقط أبتسم كلما التقت أعيننا. استمعت إلى الأمهات يحكين عن الرعاية التي يتلقها أبناءهن هنا وكيف تحسنت صحتهم في حين لم يعرف أحد من الأطباء في المدن والقرى التي أتوا منها ما علتهم. ضحكت في مرارة داخلي وتسألت عما ستشعر به هذه الأمهات لو ذهبوا إلى مستشفى "حقيقي" وتلقى أبناءهم ما يستحقونه من رعاية.

 وتوالت المفاجآت: أولا،ً دخلت الممرضة لتسأل عن جهاز الاستنشاق وتوبخ الأم لأنها احتفظت بالجهاز بجانبها ولم تعيده ليستخدمه باقي المرضى وسبق ذلك بقليل دخول إحدى الأمهات لتسأل بنفسها عن نفس الجهاز!  

بعد ذلك فوجئت بإحدى الأمهات تقوم لتضع قناع الأكسجين لأبنها من تلقاء نفسها وبدا لي أن هناك مشكلة حيث كانت كمية بخار الماء المتصاعدة غير طبيعية. وتطوعت إحدى الطالبات بالحديث إلى الأم وتحذيرها بأن كثير من الأكسجين قد يضر بالطفل، فأجبتها الأم ببساطة أن الطبيب طلب منها أن تفعل ذلك من وقت لآخر!

أعتقد أنني سأتوقف هنا وأوفر عليكم المزيد من المشاهد التي قد تكونوا قابلتموها من قبل أو لا تقلقوا فسوف تفعلون مادام كل مسئول فى بلادنا مصاب بقصر النظر... 
      
ودعوني أريكم، وبعد كل هذه الصور الكئيبة، من أين يأتي الأمل...
 
في البداية الوضع كان كده
بعدين تحسن شوية وبقى كده
ودي الخطوة الثالثة
وبعدها كده

وأخيراً كده
والنتيجة كده :)


 
 

Friday, August 31, 2012

Watch out for pickpockets: The other side of the story



I've been to Paris once before in an impossible trip for less than 12 hours. The group I accompanied back then had some sort of a plan to rush and catch a glimpse of all Must-Be-Seen in Paris. Of course we had different views, to me the two main things were to see "Tour Eiffel" and have coffee in one of the streets of the "Quartier Latin". I did see the tower back then but I don't remember getting any near the Latin Quarter, though my companions believed we did! During this trip I had more time and an experienced guide so I'm sure I made it to the Quarter. I enjoyed walking in the narrow streets and watching the small shops and tried to map all the sights to the description I've always read in literature.

In a nice coffee shop near the borders of the Quarter and while waiting for our coffee and ice-cream to be prepared, a woman standing in the line to order suddenly shouted and turned to yell at the man standing right behind her saying "thief". She said a lot of words which I didn't understand as she was talking in French, and even hit the man and kicked him out of the place. I admired her courage and people in the line cheered her.

This is the nice part of the story, the sad part is that my little nephew noticed that the man was about to cry while he walked out of the shop. I'd exclude the possibility that he was not trying to steal and she misunderstood him and that is why he ended up with this grieved. So the more probable possibility is that he has to steel; to eat, to feed a family etc. I'm not trying to find excuses for him because my moral beliefs are crystal about this but the sad truth is that there isn't enough justice in the world. I remember a song, by the beetles I believe, which say "… and sympathy is all what we need my friend… and sympathy is all what we need… because there is not enough love to go around…" and I feel it truly now. I also remember Omar Ibn AlKhatab, who simply symbolizes justice in my view, when he didn't impose the supposed punishment for stealing because there was a famine and some people had to steal to eat and feed their families. I know that back then he did his best so that each individual in the community gets a fair share in the revenues of the country but when that was not enough he made this exception.

In Egypt, we live in a society with very large gaps in income among its individuals; I wish to witness the day when social justice prevails in our country, a day when everyone has enough to live in freedom and dignity.


30 June 2012

Tuesday, August 21, 2012

 Cairo - My City, Our  RevolutionCairo - My city, our  revolution by Ahdaf Soueif

My rating: 5 of 5 stars


Ahdaf Soueif speaking my heart of Cairo; a must-to-read for all those who shared and the revolution and those who missed it!
Favorite quotes from the book:

 "This is a revolution that's chosen to work peacefully and legally- and it's paying a price for peace and legality." Page 86

"Children for whom the Midan had brokered a truce with their cruel live and who'd found shelter in the central garden between the tents; the revolutionary shabab had held classes for anyone who wanted to learn to read and write. shared their food with them and given them responsibilities: the children spread mats and connected wires and held lights ans cameras." Page 109

About "The Battle of the Camel": "It's OK it's OK, she shouts and laughs. 'They attacked us with horses and camels but we've captured them and the kids are having rides on them in the Midan and everything's fine." Page 129

About the spirit of the Midan: "The courtliness with which the people accept the offer of a biscuit! The bow! The hand on the chest! We're all princes here, our manners are impeccable. " Page 161

"I believe that optimism is a duty; if people had not been optimistic on on 25 January, and all the days that followed, they would not have left their homes or put their wonderful, strong, vulnerable human bodies on the street. Our revolution would not have happened." Page 186

"There are fights one doesn't pick; you find yourself in the middle of it and you have to perform." Page 188

"Tahrir is a myth that creates reality in which we've long believed." Page 190

"The shuhada's parents are not in search for justice for justice will not bring back the shaheed; their search is for a dream that gives meaning to their sacrifice; for a happy ending to a story that includes their suffering." Page 190

"We made a city square powerful enough to remove a dictator. Now we must re-make a nation to lead others on the road to global equality and justice." Page 194

"Inclusive, inventive, open-source, modern, peaceful, just, communal, unified and focused. A set of ideals on which to build a national politics." Page 194






View all my reviews

Friday, August 03, 2012

مظاهر رمضانية مصرية


ماجربتش رمضان بره مصر، غير مرة فى السعودية أثناء عمرة، بس باحس إن رمضان فى مصر حاجة تانية. عرب كتير ومسلمين تسمعهم بيقولوا كده برضوه عن رمضان فى مصر . فى حاجتين على الأقل تقريباً متأكدة إنهم مش موجودين فى رمضان فى أى حتة تانية، موائد الرحمن والفانوس.

دى صور لبعض مظاهر رمضان فى مصر والقاهرة بالتحديد، نفسى ماتختفيش :)

نتاج ورشة لإحياء تراث الفوانيس، من خلال عمل نماذج للفوانيس التقليدية بالكرتون، بيت السنارى بالسيدة زينب

الإستعداد لموائد الرحمن يبدء دائماً بعد صلاة العصر

مسجد السيدة زينب وأماكن بيع الياميش التى تظهر فجأة مع إقتراب الشهر وتختفى بإنقضاءه 

Tuesday, July 17, 2012


We Bought A Zoo!

Have you ever felt bad after doing something good and wished you didn't do it? I felt this way during my flight back home, after giving away my special seat for a couple with a young baby. Whenever I’m flying I like to set by the window, to enjoy the view and so that people won’t bother me whenever they need to go to the bathroom and sometimes just going to chat with friends and relatives setting away. For the record, I've only witnessed this on board of Egyptair.

Upon reservation, I requested a window seat and confirmed it at check in, however once I got board I found a man in my seat and his wife, carrying the baby, beside him. She started talking in French, apparently asking me to exchange seats. I agreed, somehow without thinking, but once I found out that I’m sitting beside 3 kids I regretted it. I began looking around for any empty seat but couldn’t find any and so I just looked at the 2- year-old boy sitting by my side making it clear that I don't like noise and naughty actions!

During the flight I discovered that the French-speaking wife is actually Algerian and that the husband in Egyptian. Though the wife may indeed not be able to talk in Arabic, I don’t understand why the husband didn’t, probably so that I won't refuse!

After takeoff, the flight attendant came and attached a small crib to the barrier in front of the mother's seat, sitting in my row, to put her baby to sleep in. I realized that I'm sitting in a seat specially preserved for the Algerian mother so that she doesn't have to carry her baby throughout the flight. I liked this feature very much and couldn't understand why they didn't want to use it and exchanged seats. As for the family setting next to me, it comprised of a young mother, two daughters around 6-years-old and the 2-year-old boy. The mother sometimes spoke to them in French, which I regarded as a good thing because she looked like a typical Egyptian house wife, i.e. she doesn't work and may thus regard learning the language of the country she is living in as unnecessary. What I didn't like though is that the younger daughter apparently couldn't speak Arabic and seemed to have difficulty in understanding it as well. The mother talked to her in French and to the other one in Arabic! I recall now the attempts of some relatives who used to live in France, and still visit it every now and then, to make their children speak Arabic through watching Egyptians satellite channels. Given the strange stuff displayed on such channels, this may not be the best way to do, but after all it is an appreciated attempt.

I continued the flight surrounded by kids, milk and diapers but thanks to the new entertainment system on Egyptair, I enjoyed the third movie I checked and somehow forgot all about the chaos around. After all I poured the coffee on my lap without any assistance from the kids!

3 July 2012
MS 800
Paris- Cairo

Friday, June 22, 2012

Have Some Tea!

I stood in the supermarket in front of the tea shelf trying to pick a new type. I found black tea with fruits flavor but it had pieces of fruit which I found rather strange. Then there were new blends of fruits for different purposes; relaxing, refreshing, comforting etc. Given that the temperature outside was above 35 °C, I thought I would definitely go for the refreshing one. Besides it has the flavor of wild strawberries and described as the perfect blend for the summer. Then I thought of the amount of coffee and tea I drink all day and how I become tense at night and sometimes have trouble sleeping, and so the relaxing blend with apple, orange, and cinnamon seemed perfect. The description on the pack said “A delightful blend of apple, cinnamon and cloves with zesty orange peel. Perfectly balanced to create a truly warm and festive aromatic infusion; Winter Charm Infusion”. What? Winter? It is like listening to Om Kolthom early in the morning! I should definitely get the strawberry blend. I stood for a moment looking at both packs and thinking of how successful I’ll be in writing a book on how to make your life complicated :) then I smiled and went to the check out. 

Guess with which type?

Monday, October 10, 2011

ليل مصر الطويل


عندما صعدت في سيارتي اليوم تفاديت الاستماع إلى الأخبار في الراديو كما هي عادتي كل صباح. فقد نمت على أخبار الصراع المتحدم بين الأقباط المتظاهرين أمام بمنى ماسبيرو وبين قوات الشرطة والشرطة العسكرية. الأمر الذي اصابني بعدة كوابيس تدور كلها حول مؤامرات لاستبعاد أشخاص أعرفهم من الانتخابات القادمة.
حاولت تناسي ما يجري على أرض الواقع في مصر واخترت أن أعيش في حياة موازية عن مصر لا يوجد فيها صراع طائفي عبر الاستماع إلى شريط "حبيبتي" لمحمد منير واهمة نفسي أن مصر مازالت بخير. لكن غصة اصابتني واعادت إلى ذهني أحداث الأمس وأنا اسمع منير يردد "مين اللي يمنع النور يرفرف تاني حوالينا... ومين... مين... مين اللي يمنع الخير يبوس الفاس في اراضينا". وتساءلت معه مين؟ من الذي لا يريد عودة الأمن إلى الشارع المصري؟ من الذي "يتحكم" في هذا "الانفلات" الأمني الذي هو السبب الرئيسي في تصاعد أحداث الأمس وزيادة التوتر الطائفي؟ يبدو الأمر لغزا يحتاج إلى شيرلوك هولمز لحله. إن حكومتنا "المؤقتة" ووزير ماليتها الدكتور حازم الببلاوي يصدعون رؤسنا يوميا بالحديث عن رؤوس الأموال الأجنبية التي تهرب من مصر والسياحة التي تراجعت كثيرا وووو غيرها من الكوارث التي يحملون مسؤوليتها لبضعة مئات من المتظاهرين. ويتجاهلون بذلك السبب الواضح وضوح الشمس لكل ذلك وهو "الغياب الأمني". أين هم رجال الشرطة؟ لماذا لا يقومون بدورهم؟ سؤال يطرحه كل مصري ولا جواب. مرة يقولون رجال الشرطة "نفسهم مكسورة" مرة يقولون "لا يريدون الاحتكاك بالناس" وأسباب أخرى كثيرة من عينة "الحجج الفارغة". لماذا لا يريدون أن يقولوا لنا صراحة أن رجال الشرطة لا يريدون القيام بدورهم "شماتة" فينا وأنهم إما أن ينزلوا إلى الشارع كأنصاف آلهة، على حد تعبير أحد الكتاب المصريين المحترمين، كما كانوا أو لا ينزلوا. ورغم كل ذلك هناك مليون حل وحل لهذا الوضع، لماذا لا يسارعون بتخريج دفعات جديدة من كليات الشرطة مثلا ويتم احتساب هذا العام تدريب عملي لهم؟ إذا كان يخشون على الخرجيين الجدد من "كسر النفس" يمكن أن يرتدوا ملابس مختلفة تميزهم عن الشرطة العادية ليعرف الناس أن هؤلاء لسه "طازة" ولم تتلوث أياديهم بدماء المصريين "بعد". هذا مجرد اقتراح من مئات الاقتراحات التي قدتمها شحصيات عامة لها احترامها كحل للوضع الراهن، لكن لا حياة لمن تنادي.
الشريط مازال يدور وأنا استمع إليه بنصف عقل والنصف الآخر يشدني للتفكير في ليل مصر الذي طال ولا يبدو له آخر. وهذه الكرة لم استطع ان أغالب دموعي وأنا اسمع محمد منير يقول "أهي قامت مصر بتقلع توب الذل.. أهي صحيت مصر يا ناس قدام الكل.. بتنادي في المخلصين.. نصارى أو مسلمين.. نبت الغيطان الطين".
دائما كان هذا الشريط يعيد إلي الأمل في مصر جديدة عظيمة لكني هذه المرة بالذات لم استطع أن أردد مع محمد منير :



هي.. لما بتضحك
هي.. لما بتبكي
هي.. لما تنادي
هي.. لما بتشكي
هي هي.. وتقول ولادي
هي هي.. نجري عليها
مد الايادي.. هي هي
ونبوس اديها
هي هي هي.. يا عم هي
هي هي هي.. ست الكل هي
والفجر لو جه ولا ماجاش
الفجر عمره ما يجي بلاش
وحتى لو ننسى ميعاده
الفجر فاكر ما بينساش
ولما يدن صوت الديك
تترشق الجدران شبابيك
تونسك ضحكة صوتها
ويصحي صوتها احلى ما فيك


ربما لأن مصر لم تعد "هي" وربما لأني لم أعد أؤمن بهذ الفجر الذي طالما تغنينا به

Saturday, July 09, 2011

شئ في صدري


كان الصمت شعاري طوال الايام الأولى للثورة في مصر، شعرت أنه من "العيب" التعليق بالكلام أو حتى الكتابة على ما يجري في مصر وأنا بعيدة مئات الأميال أتابع من على كنبة غرفة جلوسي المريحة ما يجري في بلادي متمتعة بالأمان وبكل رفاهيات الحياة الحديثة بينما مصريون آخرون أشجع مني يُضربون ويُجوعون ويقتلون لإسقاط نظام مبارك.
الآن أشعر برغبة في الكتابة ولو لنفسي. قضيت طفولتي وأنا أحب مصر بمثالية وتفاؤل. لم يكن لي أي نشاط سياسي، لكني كنت أحارب الفساد على طريقتي. فأنا عندما انزل إلى الشارع أكون في حالة تأهب دائم، سواء للعراك مع سائقي التاكسي لفرض أجرة مجحفة لمشوار قصير، أو للشجار مع موظف بهيئة البريد لطلب رشوة مقنعة او للعراك مع أمين شرطة سمح لراكب سيارة فاخرة بزيارة مكان أثري بعد مواعيد العمل الرسمية في الوقت نفسه الي رفض دخولنا لهذا المكان. كنت أتصور أني في هذا شجاعة وإيجابية ووطنية.
وعندما دخلت كلية الإعلام وأنا مقتنعة بقوة الكلمة كان ذلك عام 1997 ولم يكن الشأن السياسي الداخلي هو الذي يستحوذ على تفكيري " المعارض" فما بين جريدة الأهرام الرسمية التي لا يشتري أبي غيرها والتلفزيون الحكومي الذي نراه مجبرين لعد وجود "دش" في منزلنا، كنت اسيرة الانحراف الإعلامي الذي جعل العراق وفلسطين قضيتتنا. أذكر أن أول وآخر مظاهرة خرجت فيها داخل الجامعة كانت لصالح العراق. كان مجرد التفكير في الخروج في مظاهرة "حقيقية" أمر مرفوض في أسرتنا. وأنا نفسي كنت في حالى يأس من التغيير لدرجة أني لم أكن أؤمن بالتظاهر أصلا. والآن إذا فكرت بصدق أجد أنه ربما كانت مصادرة أبي لحق التظاهر غطاء مشرف
يمنعني من فقد احترامي لنفسي وأنا اكتفي بالكلام فعلا. أنا أعرف أنه في ذلك الوقت كانت فكرة الاعتقال أو الضرب والتعذيب على أيدي عناصر الشرطة وقصص الرعب التي نسمعها عما يجري في الأقسام والسجون المصرية كفيلا بؤد فكرة التظاهر والعمل السياسي من البداية. وظل هذا الأمر "كشيء في صدري" دائما، يجعلني أسكت كلما هممت بالحديث عن الوطن والإجابية والمقاومة.
ثم اصابتني حالة من اليأس المطلق فلم يعد يهمني حتى ما يجري في فلسطين ولم أعد أتابع ما يدور في العراق فعندما تتكرر التفجيرات كل يوم يتحول الموت، على بشاعته، إلى روتين لمن يتابعون على البعد. لكن مصر ظلت دائما وجعا في قلبي لكني انتقلت من حب الوطن "بمثالية" إلى " بلدي أحبها كما تحب الأم طفلها المشوه" وإلا كيف تبرر لنفسك حب هذا البلد الذي يزداد ناسه سلبية وجشع وانتهازية يوما بعد يوم؟
كل هذا تغير عندما رأيت وجه خالد سعيد. مثلي مثلا الآلاف من المصريين الذي روعهم ما حدث لهذا الشاب الوسيم الناجح على أيدي عناصر شرطة فاسدين توحشوا حتى لم يعد من الممكن اعتبارهم بشرا. لم تبرح صورة خالد سعيد مخيلتي ولم أفتأ أفكر ماذا كان رد فعل أمه وهي تتعرف في هذا الوجه المشوه على ابنها؟ أعادني خالد سعيد للاهتمام بأمور بلادي. لكن الأمر لم يتعد الاهتمام والمتابعة، فما بين العمل وولدين في الخامسة وإقامتي خارج مصر كان من السهل أن "أبرر" سلبيتي.
لكني أزعم أن الآلاف كانوا مثلي حتى كان يوم الثلاثاء الأسود عندما لم يعد من الممكن تصديق ما يجري من هجوم على أشرف أبناء مصر في ميدان التحرير بكل الوسائل البدائية من خيل وبغال وجمال وقنابل مولوتوف وتجويع وحصار. وقتها أثبت الناس أن العنف لا يولد إلا التصميم. وأصبح الآلاف في التحرير... ملايين.
أما أنا فأين كنت؟ لقد فقضيت ليلتي على نفس الكنبة المريحة أتنقل كالمجنونة بين القنوات الفضائية الإخبارية وأكتفي من الفعل الإيجابي بالدعاء لله باكية لإنقاذ هؤلاء الشجعان الأطهار.
والآن بعد سقوط النظام وعندما لم تعد مصر "طفلي المشوه"، لا يفارقني هذا السؤال: هل لو كنت في مصر وقتها كنت نزلت إلى الميدان وهزمت الخوف؟ هل كان جلال اللحظة سيُحررني من خوفي؟ والآن لن أعرف أبدا لأن اللحظة فاتتني. لكن هذا لا يعني أن الفرصة انتهت. مصر مازالت تحتاج إلى الكثير وإذا كان " شيء في صدري" سيظل دائما لأني لم أشارك في ثورة التحرير، فمازال بإمكاني أن أقص لأولادي يوما كيف ساهمت في إعادة بناء مصر بإيجابية بعد نجاح الثورة. الأمر لم يعد يتطلب التضحية بحياتي، فشهداء التحرير قاموا بهذا الواجب بالفعل. الأمر أيسر من ذلك، فمصر الآن اصبحت بحاجة لكل الطاقة الإيجابية لأبنائها على الابتكار والبناء وكذلك على التصميم لتحقيق أهداف مات آخرون على أمل أن تتحقق. وهذه هي فرصتي والملايين مثلي الذين اكتفوا "بالكفاح من منازلهم" طوال السنوات الماضية.