Friday, December 27, 2013

تساؤلات مريبة


الدعوة للتعقل والتأني هذه الأيام اصبح في خطورة السير على الحبل لغير المحترفين. فمع حالة السُعار الإعلامي التي اصابت قنوات التلفزيون الرسمية والخاصة في مصر اصبح الحديث عن أي شيء يمت للإخوان بصلة محفوفا بمخاطر جمة.

يكفي أن تتساءل كيف استطاع مذيع نشرة الأخبار في القناة الأولى للتلفزيون المصري الجزم  وبعد بضعة ساعات من انفجار عبوة ناسفة بمنطقة مدينة نصر وقبل البدء في أي تحقيقات جنائية أو تحريات حتى، كيف استطاع المذيع الفذ التأكيد على الهواء مباشرة بأن "تنظيم الإخوان الإرهابي" هو منفذ الحادث. ولا تستطيع أن تتساءل كيف استطاعت قوات الشرطة التوصل خلال يوم واحد إلى أن منفذ تفجير الدقهلية ينتمي ل "تنظيم الإخوان الإرهابي" وهي التي لم تكشف لنا حتى الآن من وراء مذبحة استاد بورسعيد ومن اصاب عيون المتظاهرين في محمد محمود ومن وراء شتى الحوادث والجرائم التي ارتكبت منذ 25 يناير 2011 وحتى هذه الحظة والتي شكلت لكل منها لجنة تحقيق لا نعرف ما عملها حتى الآن. ولا بإمكانك أن تتساءل ما نوع التشريع الإعلامي الذي يسمح للصحف والقنوات التفلزيونية بنشر صور "المتهم" الذي اصبح مدانا قبل أن تثبت إدانته في تفجير المنصورة.

إيراد مثل هذه التساؤلات كان من الممكن أن يعرضك للهجوم الإعلامي من بعض الإعلاميين المتشنجين من أنصار "معي أو ضدي" أو في أسوأ الحالات لمشادات كلامية مع بعض رواد مترو الأنفاق الذين يملكون رأيا مخالفا لك. لكن اليوم، وبعد أن قام الدكتور حسام عيسى بإلقاء بيان الحكومة عن تفجير المنصورة، والذي لم يخرج علينا بأي إجراء ناجع لمواجهة الإرهاب (الذي اصبحت مصر تتعرض له فعلا وليس ذلك الذي كانت تتخيله وسائل الإعلام وقريحة بعض المواطنين الشرفاء قبل أن يحدث) سوى بمزيد من الإجراءات القمعية والعقوبات المغلَظة في جرائم يكفي الشك فيها في النوايا لإدانة المتهمين.

اليوم وبعد هذا البيان، يكفي أن تُعبر عن تساؤلات مثل هذه ليتم الزج بك في السجن بتهمة الترويج للجماعة بالقول أو الكتابة أو أي طريقة أخرى. ولا أعرف إن كان ذلك يتضمن لغة الإشارة والغمز وتحريك الحواجب أيضا أم ماذا؟ بل قد يكلفك مثل هذا التساؤل حياتك إذا بلغ بك التهور حد التعبير عنه في مكان عام وتصادف عبور مجموعة من "المواطنين الشرفاء" للمكان.
والتساؤلات التي أنصحك بالاحتفاظ بها لنفسك تجنبا لهذه المخاطر وغيرها لا تقتصر على ما سبق. فالآن لم يعد بإمكانك أن تتساءل أيضا:

هل خلت مصر من الجماعات الإرهابية ولم يعد فيها إلا "تنظيم الإخوان الإرهابي" الذي يستدعي الملاحقة؟

كيف استطاعت الشرطة القبض على مئات العناصر المتخفية من "تنظيم الإخوان الإرهابي" وهي تحاول الهرب في الصحاري والقفار لكنها لم تنجح في ملاحقة المجهول الذي دأب على تفجير خط أنابيب الغاز بين مصر وإسرائيل كل شهر تقريبا؟

لماذا تنجح قوات حرس الحدود في القبض على عناصر "تنظيم الإخوان الإرهابي" لكنها تفشل في ضبط الأسلحة والذخائر ومنصات إطلاق الصواريخ وما شئت من الأسحلة الفتاكة التي تدخل مصر عبر حدودها مع ليبيا والسودان كل يوم؟

هل يحق قانونا التصرف في أموال شركات خاصة ومواطنين مصريين دون صدور أحكام قضائية ضدهم؟

لماذا لم يتم استخدام القانون الذي يستخدم اليوم لملاحقة عناصر الإخوان لوقف سموم القنوات الدينية المتطرفة التي كان "شيوخها" يدعون جهارا نهارا لإهدار دم شخصيات بعينها بالاسم والصورة ويحرضون المواطنين على قتل إخوتهم في الوطن لخلافات دينية أو مذهبية؟ ألا يندرج نشاط مثل هذا الإعلام التحريضي تحت بند "الإرهاب"؟ أم أن قانون الإرهاب مُفصل على مقاس الجماعة؟

هذه عينة من التساؤلات التي قد تجعلك عرضة للفتك بك على يد المواطنين الشرفاء أو السجن على أفضل تقدير. ولن يشفع لك وقتها أن تكون مثلي من أشد أعداء جماعة الإخوان المسلمين ومن رافضي فكر الإسلام السياسي كليا وجزئيا أو أن تُقسم بأغلظ الأيمان أنك لم تكن يوما من أعضاء أو مناصري أو مؤيدي أو حتى المتعاطفين مع فكر الجماعة . ولن يصدقك أحد إذا قلت مثلي أنك تدافع عن حق كل مواطن في معاملة عادلة حتى وإن كان مجرما أو أنك تتحدث ونيتك على الأقل حماية المجتمع من الانقسام السياسي الذي انزلق إليه والذي يهدد بحرب أهلية حقيقة وليست تلك التي كان يخيفنا بها نظام مبارك. ولن يشفع لك أن تقول إنك تخشى على مصير آلاف الأسر التي يعمل معيلوها في خارج مصر وقد يكون بعضهم من "المشتبه بهم" كأنصار أو كمتعاطفين مع الجماعة والذين اصبحوا مهددين بالطرد من تلك البلدان بعد بيان الدكتور حسام عيسى.

لم يعد ممكنا اليوم أن تتخذ الموقف الذي تريده فالإعلام المصري والقانون المصري وانضم إليهم أخيرا الشارع المصري لم يعد يسمح إلا بموقفين: أن تكون معي أو ضدي.

وحتى تهدأ حالة الجنون الجماعي التي اصابت الطرفين ندعو الله أن يُرنا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويُرنا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

 


No comments:

Post a Comment